هل انكشفت المافيا/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

حاولنا من خلال بعض الصوتيات غالبا والمقالات أيضا، أن نكشف مستوى خطورة وطبيعة المافيا المحلية، والمافيا لن تكون بطبيعة الحال منزوعة الدسم، بمعنى منعدمة المخاطر، لكنها قد لا تقارن من حيث الوحشية بالمافيا في كولومبيا مثلا التي تعتمد على التصفيات الوحشية المباشرة أحيانا، بينما تعتمد المافيا الموريتانية على الغبن ضمن تسيير المال العمومي وحتى الخصوصي، كما أنها حاضرة في ميدان استقلال دفة الحكم منذ 1978 إلى اليوم، وفي هذا السياق امتهنت الغمار والزنا والديوثية والاباحية، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم كما قال جدي عليه الصلاة والسلام، ولم تنجح المافيا حتى الآن في تعميم الطابع المافيوي على كافة الموريتانيين، لكن ذلك الطابع موجود، وإن لم يعم لكنه لا يقتصر في تمدده على الزوايا فقط، والزوايا هنا من الزاوية، ولا تعني طبقة اجتماعية تتسمى بالدين، وإنما المقصود ” langle”.
الطابع المافيوي بدأ يتحدى ويكاد يخرج عن طوق السيطرة، فمنذ 1978 لم يعد الحكم في دعواه الظاهرة على الأقل جمهوريا، وإنما أصبح عسكريا انقلابيا صريحا، وفي هذا السياق أيضا قبل وصول معاوية للحكم حصلت عدة انقلابات، ووقع ضمنها التعذيب، كما حصل ضد المصطفى ولد الولاتي رحمه الله، والقتل المباشر التصفوي كما حصل ضد العقيد أحمد سالم ولد سيدي، والمقدم المعروف اختصارا بـ “كادير”، والملازم انيانك، وكان يمكن لولد هيداله عافاه الله أن يعفو كما فعل معاوية اثر انقلاب 2003 الفاشل، لكن ولد هيداله بدافع عقليته الحسانية الحازمة، رجح خيار التصفية الجسدية، ربما حرصا على بقائه في الحكم، ورغم هذه الرسالة الشنيعة لم يتردد الشجاع الذكي معاوية في إزاحته من الحكم بتنسيق مع الفرنسيين، الذين أمنوا إخراجه من المسرح الوطني بحجة مؤتمر بوجمبوره، ووجد معاوية الفرصة سانحة للانقضاض على دفة الحكم، ولم يتوقف معاوية عن إراقة الدماء.
لقد انتهز الفرصة تنظيم “اتكارير” العنصري والبادئ أظلم، فضرب في العمق هو ونظامه، ربما تجاوز حد القصاص والانتقام، ولا ننسى في هذا السياق أن الانقلابيين أنفسهم عملوا على التحريض على جاليتنا في السنغال، ثم جاءت ردة الفعل في نفس الأيام في سنة 1989، و”لا يبرك أجملهم في العافية”، فتحركوا مرة أخرى في مطلع التسعينيات، وعلى ما أذكر في نوفمبر 1990، وبائت محاولاتهم المتكررة بالفشل، وظل الطرفان الانقلابيان، “التكروري”، والطرف الحاكم بقيادة معاوية في صراع محتدم، إلى أن نجح معاوية ونظامه في اطفاء الفتنة، عبر اشعال فتنة أخرى، عندما لم يكن حذرا في ردة الفعل المشروعة، التي تجاوزت فعلا المطلوب.
لكن أصدقاء معاوية لم ينشغلوا عن ألاعيبهم وترفهم، فتفرقت يوما حرم جبريل ولد عبد الله وزير الداخلية أنذاك، والبوتلميتية شقيقة سيدينا ولد سيديا الابييري، حرم ولد ابنو العلوي الشنقيطي، لزواج رمزي مثل قمة فساد أصنادره، وميلهم للبذخ الغريب والترف اللافت حين يحكمون، وخصوصا حين يتحكمون.
أجل عملوا فعلا زواجا رمزيا لقطة، وقطة لا نعرف بالضبط القطة محسوبة على أهل شنقيط أو القط، أو الأمر العكس على الفرنسي الأصل المسلم الكيفي العصابي، جبريل ولد عبد الله رحمه الله.
وكان من أبرز الفنانين الحاضرين لهذا الحفل الرمزي الذي عبر عن قسوة بعض العسكر الانقلابيين على حساب آهات وأنات المحرومين في هذا المنكب البرزخي، الذين يظلون يصفقون لجلادهم، وما زالوا يزيدون في تلك الوتيرة من النفاق للمتقلب ولا ينقصون.
أقول من أبرز الحاضرات لهذا الحفل الرمزي المعبر، الفنانة “اللامعة” ديمي بنت آبه رحمها الله، والفنانة “اللامعة” التروزية من مقاطعة المذرذرة تكيبر بنت الميداح، عفى الله عنها والهمها التوبة النصوح، اللهم آمين.
ولم يقتصر هذا الفساد على الرجال فقط، وإنما تجاوز إلى بعض أعراضنا، بحجة التجارة والحصيلة التواعد في مدن بالخارج مع أجانب، رغم أن بعضهن محصنات.
هذه مجرد قصص من هنا وهناك، وإن كانت في الأغلب الأعم واقعية يقينية متواترة وألسنة الخلق مداد الحق، وأمتي لا تجتمع على الضلالة، والتواتر مصدر من مصادر الخبر الموثوق.
إذن المافيا كانت منذ 1978 وإلى اليوم فاعلة مؤثرة على جميع الصعد السلطوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، واليوم بدأت تحاول مسخ عقيدتنا وتبديل ديننا الاسلامي بمشروع مسخ ماسوني مكشوف “الإبراهيمية”، رغم التسمية المغرية، من باب فحسب إلباس الباطل بالحق، وذلك مذهبهم قديما وحديثا، أي الصهاينة وأذنابهم “ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون”.
ومن يوم 14-02-2022، من مطار أم التونسي قررت أن انحاز رسميا لصف المنافحين عن ما بقي من خير وأخلاق في هذا البلد، وهذا القرار قديم، ومواجهة المافيا قديمة بالنسبة لي ومتجددة، لكن الجديد أني اكتشفت أن صاحب الفخامة محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، ومدير ديوانه، وفقه الله وسدد خطاه محمد أحمد ولد محمد الأمين، مرتهنين لدى المافيا، وقررت الانحياز لهذا الثنائي، بدافع النية الحسنة، وليس من باب التزكية المطلقة، وقررت أن تكون مدة الاختبار ستة أشهر، لأعرف فعلا وبوجه نهائي، هل الاثنان حناشة مراكش “الثنائي والمافيا”، أم ان الثنائي غزواني ومحمد أحمد، مدير ديوانه، قررا الاصلاح بوجه تدريجي حازم، وإن كان متدرجا وتكتيكيا، أم الأهم عندهم فحسب هو الحكم، ولو كلفهم الارتهان المطلق لشهوة الحكم، والمافيا المحيطة بكرسي الحكم، في سياق تنازلات مرة Concessions Dolores، قد يكون مصيرها أمر وانكى، لا قدر الله، دنيا وآخرة.
ومن باب حسن النية والتفاؤل أرجو للسيد الرئيس النجاح، وللبلد الأمان من ارتدادات المرحلة، وكيد المافيا الخبيرة في التلون والتنوع والتكيف.
قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنو خذوا حذركم”.
وأعرف أن المافيا داخل الحكم تستهدفني، لكن الرئيس قرر الانحياز إلى موقف مدير ديوانه، ومكت، ومسغارو، ومحمد لحريطاني، وسنكون جمعا بالمرصاد لمن سولت له نفسه أن يبدل دينه، أو يخل بالأمن العام والسكينة العمومية، أو أن يجهض تجربتنا الديمقراطية مهما كانت عيوبها ونواقصها، أو يحاول تعميق الشرخ بين المؤسسة العسكرية التليدة والشعب الموريتاني الحاذق، محل المؤامرة الكبرى، القديمة الجديدة المتجددة.
اللهم أجعل همنا هم الآخرة، وأجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، والموقف الراهن ليس تزكية، وإنما فرصة اختبار محدود زمني، ولن أتسرع، ولن اتخذ الموقف قبل أوان انقضاء تلك المهلة، على غرار شبيه بصلح الحديبية، وإن كان الطرفان الراهنان مسلمان.