خصال اليهود.. قراءة الأحداث في ظل الوحيين/ إبراهيم أحمد سالم

في هذه الفترة التي يزداد كيد اليهود فيه للأمة ينبغي لطلبة العلم أن يراجعوا التفاسير في الآيات التي تتكلم على اليهود وشروح الحديث في الموضوع نفسه وتاريخهم مع الأمة .
وهذا المنهج ” وهو الرجوع للوحيين وشروحهما ” لو اتخذه طالب العلم في القضايا الكبرى التي تمرّ بالأمة لوجد أصولا وأسسا ومبادئ تُعين على تحليل الأحداث وتزيد رصيد طالب العلم المعرفي .

يقول الفخر الرازي في تفسيره عند قوله تعالى : ” “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰ⁠وَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ”.

وهَهُنا دَقِيقَةٌ نافِعَةٌ في طَلَبِ الدِّينِ وهو أنَّ كُفْرَ النَّصارى أغْلَظُ مِن كُفْرِ اليَهُودِ؛ لِأنَّ النَّصارى يُنازِعُونَ في الإلَهِيّاتِ وفي النُّبُوّاتِ، واليَهُودُ لا يُنازِعُونَ إلّا في النُّبُوّاتِ، ولا شَكَّ في أنَّ الأوَّلَ أغْلَظُ، ثُمَّ إنَّ النَّصارى مَعَ غِلْظِ كُفْرِهِمْ لَمّا لَمْ يَشْتَدَّ حِرْصُهم عَلى طَلَبِ الدُّنْيا بَلْ كانَ في قَلْبِهِمْ شَيْءٌ مِنَ المَيْلِ إلى الآخِرَةِ شَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ ﴿ولَتَجِدَنَّ أقْرَبَهم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى﴾ وأمّا اليَهُودُ مَعَ أنَّ كُفْرَهم أخَفُّ في جَنْبِ كُفْرِ النَّصارى طَرَدَهم وخَصَّهُمُ اللَّهُ بِمَزِيدِ اللَّعْنِ، وما ذاكَ إلّا بِسَبَبِ حِرْصِهِمْ عَلى الدُّنْيا، وذَلِكَ يُنَبِّهُكَ عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِ ﷺ: «حُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» ” .

عِلَّةُ هَذا التَّفاوُتِ أنَّ اليَهُودَ مَخْصُوصُونَ بِالحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلى الدُّنْيا، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَتَجِدَنَّهم أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾ [البَقَرَةِ: ٩٦] فَقَرَنَهم في الحِرْصِ بِالمُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ لِلْمَعادِ، والحِرْصُ مَعْدِنُ الأخْلاقِ الذَّمِيمَةِ؛ لِأنَّ مَن كانَ حَرِيصًا عَلى الدُّنْيا طَرَحَ دِينَهُ في طَلَبِ الدُّنْيا وأقْدَمَ عَلى كُلِّ مَحْظُورٍ ومُنْكَرٍ بِطَلَبِ الدُّنْيا، فَلا جَرَمَ تَشْتَدُّ عَداوَتُهُ مَعَ كُلِّ مَن نالَ مالًا أوْ جاهًا .

يقول النّسفي تعليقا على قوله تعالى : ﴿ذَلِكَ بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا﴾ أيْ: عُلَماءَ وعُبّادًا ﴿وَأنَّهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ .
عَلَّلَ سُهُولَةَ مَأْخَذِ النَصارى، وقُرْبَ مَوَدَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا، وأنَّ فِيهِمْ تَواضُعًا واسْتِكانَةً، واليَهُودُ عَلى خِلافِ ذَلِكَ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ العِلْمَ أنْفَعُ شَيْءٍ، وأهْداهُ إلى الخَيْرِ، وإنْ كانَ عِلْمُ القِسِّيسِينَ، وكَذا عِلْمُ الآخِرَةِ وإنْ كانَ في راهِبٍ، والبَراءَةُ مِنَ الكِبْرِ وإنْ كانَتْ في نَصْرانِيٍّ.
يقول الطاهر بن عاشور :

وإنَّما كانَ وُجُودُ القِسِّيسِينَ والرُّهْبانِ بَيْنَهم سَبَبًا في اقْتِرابِ مَوَدَّتِهِمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِما هو مَعْرُوفٌ بَيْنَ العَرَبِ مِن حُسْنِ أخْلاقِ القِسِّيسِينَ والرُّهْبانِ وتَواضُعِهِمْ وتَسامُحِهِمْ. وكانُوا مُنْتَشِرِينَ في جِهاتٍ كَثِيرَةٍ مِن بِلادِ العَرَبِ يُعَمِّرُونَ الأدْيِرَةَ والصَّوامِعَ والبِيَعَ، وأكْثَرُهم مِن عَرَبِ الشّامِ الَّذِينَ بَلَغَتْهم دَعْوَةُ النَّصْرانِيَّةِ عَلى طَرِيقِ الرُّومِ، فَقَدْ عَرَفَهُمُ العَرَبُ بِالزُّهْدِ ومُسالَمَةِ النّاسِ وكَثُرَ ذَلِكَ في كَلامِ شُعَرائِهِمْ. قالَ النّابِغَةُ:
لَوْ أنَّها بَرَزَتْ لِأشْمَطَ راهِبٍ ∗∗∗ عَبَدَ الإلَهَ صَرُورَة مُتَعَبِّـدِ
لَرَنا لِطَلْعَتِها وحُسْنِ حَدِيثِها ∗∗∗ ولَخالَهُ رُشْدًا وإنْ لَمْ يَرْشُـدِ
فَوُجُودُ هَؤُلاءِ فِيهِمْ وكَوْنُهم رُؤَساءَ دِينِهِمْ مِمّا يَكُونُ سَبَبًا في صَلاحِ أخْلاقِ أهْلِ مِلَّتِهِمْ. والِاسْتِكْبارُ السِّينُ والتّاءُ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ. وهو يُطْلَقُ عَلى التَّكَبُّرِ والتَّعاظُمِ، ويُطْلَقُ عَلى المُكابَرَةِ وكَراهِيَةِ الحَقِّ، وهُما مُتَلازِمانِ. فالمُرادُ مِن قَوْلِهِ لا يَسْتَكْبِرُونَ أنَّهم مُتَواضِعُونَ مُنْصِفُونَ.
وضَمِيرُ ﴿وأنَّهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَعُودَ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ (بِأنَّ مِنهم)، أيْ وأنَّ الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى لا يَسْتَكْبِرُونَ، فَيَكُونُ قَدْ أثْبَتَ التَّواضُعَ لِجَمِيعِ أهْلِ مِلَّةِ النَّصْرانِيَّةِ في ذَلِكَ العَصْرِ. وقَدْ كانَ نَصارى العَرَبِ مُتَحَلِّينَ بِمَكارِمَ مِنَ الأخْلاقِ. قالَ النّابِغَةُ يَمْدَحُ آلَ النُّعْمانِ الغَسّانِيِّ وكانُوا مُتَنَصِّرِينَ:
مَجَلَّتُهُـمْ ذاتُ الإلَـهِ ودِينُهُـمْ ∗∗∗ قَوِيمٌ فَما يَرْجُونَ غَيْرَ العَواقِبِ
ولا يَحْسَبُونَ الخَيْرَ لا شَرَّ بَعْـدَهُ ∗∗∗ ولا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لازِبِ
وظاهِرُ قَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى﴾ أنَّ هَذا الخُلُقَ وصْفٌ لِلنَّصارى كُلِّهِمْ مِن حَيْثُ أنَّهم نَصارى فَيَتَعَيَّنُ أنْ يُحْمَلَ المَوْصُولُ عَلى العُمُومِ العُرْفِيِّ، وهم نَصارى العَرَبِ، فَإنَّ اتِّباعَهُمُ النَّصْرانِيَّةَ عَلى ضَعْفِهِمْ فِيها ضَمَّ إلى مَكارِمِ أخْلاقِهِمُ العَرَبِيَّةِ مَكارِمَ أخْلاقٍ دِينِيَّةٍ، كَما كانَ عَلَيْهِ زُهَيْرٌ ولَبِيدٌ ووَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلَ وأضْرابُهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى